الصين ما بعد الجائحة.. استئناف المسار

الصين اليوم 2021-03-08 11:16

  دلفت البشرية إلى عام 2021، وهي مُحمَّلةٌ بأعباء نفسية ومادية كُبرى، نجمت عن معاناة مليارات البشر، في شتى أنحاء المعمورة، جرّاء واحدة من أخطر الجوائح التي ضربت أغلب مناطق العالم، بانتشار كوفيد- 19، الذي خلَّف وراءه خسائر فادحة على المستوى الإنساني، تمثَّلت في ملايين الإصابات والوفيات، فضلا عن خسائر مادية فادحة أخرى، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كبَّدت دول العالم تريليونات الدولارات، وتسبَّبت في فقدان الملايين من الناس لأشغالهم ووظائفهم، وعصفت بالاستقرار والازدهار في أغلب دول العالم، التي وقف العديد منها مذهولا أمام هول ضربات الفيروس اللعين، غير قادر على المجابهة، مشلول الإرادة، ذاهلا عن الفعل الذي استمر ينهش في الجسد الحي للأوطان والشعوب!

  في مواجهة الوباء، امتلكت الصين سرعة المبادرة ومرونة الحركة وكفاءة المواجهة، الأمر الذي مكَّنها من التحرك الفوري، وفق خطة سياسية علمية صحية متكاملة، برز من خلالها حكمة القيادة، وجَلَد "الحزب الشيوعي الصيني"، وثقة الشعب فيهما، الذي استجاب بصورة بالغة الوعي والانضباط، وبروح من الفهم تدعو للإعجاب، إلى تعليمات العزل الاجتماعي، ما سهَّلَ إمكانية مُحاصرة الوباء، وتقليل حجم الإصابات بشكل كبير، كما برز مستوى التقدم العلمي والتفوق التكنولوجي، الذي مكَّنَ الصين من إحكام السيطرة على وتيرة انتشار الفيروس، والعمل السريع على الأبحاث الضرورية لاكتشاف اللقاح المُضاد، في ظروف غاية في التعقيد والخطورة، تكللت بالنجاح على نحو كبير، فيما كانت دول كُبرى تتخبط بشكل واضح، ضاعف من خسائرها على كل المستويات، وأعجزها عن امتلاك "خارطة طريق" صحيحة تقيها أخطار الجائحة!

  الانطلاق بعد تجاوز الأزمة

  وبعد مرور عام وبضعة أشهر على هجمة الفيروس، استطاعت الصين أن تتجاوز آثار الأزمة الطاحنة التي لا زالت تؤثر سلبا على أغلب دول العالم، وليس هذا فحسب، وإنما أيضا تمكنت من أن تحقق تقدُّما ملحوظا أدهش الكثيرين. وفقا لما أعلنته مصلحة الدولة للإحصاء الصينية في الثامن عشر من يناير 2021، زاد الناتج المحلي الإجمالي للصين في 2020 بنسبة 3ر2% على أساس سنوي. وكان صندوق النقد الدولي، قد توقع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 9ر1% خلال عام 2020، مُقابل انكماش الاقتصاد العالمي، خلال العام ذاته، بنحو 4ر4%، مُحددا أن هذا الانكماش سيطال جميع الاقتصادات الرئيسية بلا استثناء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان. وكانت تقارير دولية قد أشارت إلى أن الاقتصاد الصيني، الذي كان القاطرة التي قادت الاقتصاد العالمي للتعافي بعد الأزمة المالية عام 2008، لن يختلف أمره هذه المرّة، لأن الاقتصاد الصيني، هو الاقتصاد الوحيد الذي لم يدخل ما يُسَمَّى بـ"الانكماش التقني" الذي دخلته مُعظم الاقتصادات الكُبرى بسبب أزمة كوفيد- 19.

  وتُظهر مؤشرات صندوق النقد الدولي كذلك أن الصين "ستبقى المُساهم الأكبر في النمو العالمي حتي 2025، (بنحو 28%)، وبفارق كبير عن بقية الاقتصادات"، فيما أكَّدت تقديرات "إكسفورد إيكونوميكس" ـ ((Oxford Economics أن الاقتصاد الصيني هو الاقتصاد الوحيد، الذي استطاع أن يخرج سالما من تداعيات الجائحة، فحِصَّته من الصادرات العالمية، على سبيل المثال، قد قفزت من 13% مطلع عام 2020، إلى ما يُقارب 16% في نهايته، وارتفعت حصَّته من الاقتصاد العالمي بأكثر من 1%، لتصل إلى 5ر17% بنهاية 2020.

  أمّا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد أعلنت أنه بحلول نهاية العام الحالي، 2021، سيشهد الاقتصاد الصيني نموا بأكثر من 10% عما كان عليه في عام 2019، في حين أن الاقتصاد الأمريكي سيكون، بالكاد، قد عاد لمستويات 2019. وفي تقرير للقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، فإن مؤشرا جديدا، اعتمادا على أرقام صادرة عن هيئة الأمم المتحدة، (تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، "أونكتاد")، يُظهر أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية، واحتلت المركز الأول عالميا كوجهة أولى للاستثمار الأجنبي المُباشر، حيث جذبت تدفقات استثمارية أجنبية قيمتها 163 مليار دولار أمريكي في العام الماضي (كانت 140 مليار دولار أمريكي في العام الأسبق)، مقابل 134 مليار دولار للولايات المتحدة الأمريكية (كانت 251 مليار دولار في العام الأسبق)، وفي رأي المُحللين الاقتصاديين، هذه الأرقام تؤكد تَحَرُّك الصين نحو مركز الاقتصاد العالمي، الذي طالما هيمنت عليه الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم.

  مستقبل أفضل للعالم

  ولعل هذه المؤشرات وغيرها، التي تتدفق عبر وسائل الإعلام، والمُنتديات الاقتصادية والسياسية، وبحوث الخبراء والمُتخصصين ومراكزهم، تفسر النتيجة التي انتهى إليها مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال ((CEBR، في تقريره السنوي الأخير، بعد تأكيده، أن جائحة كوفيدـ 19 وتداعياتها الاقتصادية، تجعل التنافس (بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين)، يميل بالتأكيد لصالح الصين، مُستخلصا أن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية، لتُصبح أكبر اقتصاد في العالم عام 2028، قبل خمس سنوات مما كان مُتوقعا!

  الفضل للحزب والقيادة الحكيمة!

  يعود الفضل في هذه الإنجازات المرموقة، إلى عطاء الشعب الصيني العظيم، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني المُناضل وزعامته الحكيمة، والذي يُحتفل في الأول من شهر يوليو 2021 بمرور مائة عام على تأسيسه في نفس ذلك اليوم من عام 1921. وقد خاض الشعب الصيني نضالا بطوليا مجيدا، ومُمتدا، تحت قيادة الحزب الشيوعي، منذ لحظة التأسيس، وحتى الآن، وواجه صِعابا هائلة، وتجمّعت في مواجهته القوى المضادة للثورة والشعب والاشتراكية، وبالتفاف الشعب الصيني حوله، استطاع أن يهزم القوى الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية الكومبرادورية (التابعة)، وتمكَّن في النهاية من إحراز انتصارات عظيمة، تُوجت بتأسيس "جمهورية الصين الشعبية"، عام 1949.

  غير أن هذا الأمر لم يكن نهاية المطاف! فلم يرتح الحزب وقياداته التاريخية، وفي مقدمتهم الزعيم الراحل ماو تسي تونغ إلى كراسي الحكم وأُبهة السلطة، فقد كانت غايتهم أكبر، وأمانيهم بالنسبة لشعبهم أعظم. كان الهدف الأسمى بناء مجتمع التقدُّم والاشتراكية؛ المجتمع المُتحرر من استغلال الإنسان للإنسان، والمُحَرَّر من القهر والعبودية، المجتمع الذي يستعيد للشعب الصيني أمجاد حضارته التليدة الزاهرة، ويبني على هذا التراث العظيم أسس تقدمه وازدهاره في العصر الحديث.

  وينص دستور الحزب الشيوعي الصيني على أن الحزب "هو طليعة الطبقة العاملة الصينية، والمُمثل الصادق لمصالح الشعب الصيني بكل قومياته، والقوة المركزية التي تقود قضية الاشتراكية في الصين، وأن الهدف النهائي للحزب هو إقامة المجتمع الشيوعي". وقد نجح الحزب الشيوعي الصيني، الذي تجاوز عدد أعضائه التسعين مليونا، في انتشال مئات الملايين من المواطنين الصينيين من الفقر والتخلف والمُعاناة والجهل والمرض، ونقلها إلى موقع مُتقدم في صدارة شعوب العالم، وهو يقدم كل يوم دليلا على ما يملكه من عزيمة وإرادة على بناء مجتمع جديد، وعلى مد يد العون لشعوب العالم أجمع، من أجل صنع مستقبل مزدهر للجميع، ولحماية البيئة من التهديدات الجسيمة التي تتعرض لها، وتضر ضررا شديدا بالبشر وحياتهم على وجه الأرض!

  ميزات وخصائص!

  وقد تميز الحزب الشيوعي الصيني، على امتداد تاريخه، بصلابته في الدفاع عن حقوق الشعب الصيني، وعن وحدة أراضيه التاريخية المُستقرة، كما تمتع بقدرة فائقة على تحقيق التوازن الدقيق في كافة الظروف والأحوال، بين السعي إلى إنجاز التقدم الاقتصادي والشامل، والمحافظة على مكونات ومقومات التجربة الصينية في البناء، وحمايتها من الانهيار بفعل التحديات الداخلية والخارجية. ويلفت النظر على مدى قرن كامل، العلاقة المتميزة بين الحزب والشعب، وقدرة الحزب على خلق حالة من الانسجام والتفاهم والتوافق، بينه وبين الجماهير، ونجاحه في التعبير عنها والدفاع عن حقوقها ومصالحها وعدم سماح الحزب ببناء جدار عازل يمنع التواصل بينه وبين شعبه، وتمسكه بتطهير صفوفه، وبانتظام، من العناصر الانتهازية والفاسدة والوصولية، ومحافظته على الحيوية السياسية، والتي تجعله دوما قريبا من نبض الناس في الصين، متفهما لحاجاتهم ومطالبهم، وقادرا، في كل حال، على التعبير عن أمانيهم ومصالحهم.

  المرونة والتفكير الابتكاري الخلاّق

  وكان من أهم أسباب نجاح الحزب الشيوعي الصيني، في رحلته المئوية، قدرته على التفكير الخلاّق والمُتَجَدِّد والإبداعي والمُستشرف للمستقبل، وعلى اجتراح حلول مُبتكرة، "خارج الصندوق"، بالبُعد عن الجمود، و"الدوغماتية"، لحل مشكلات الواقع، والاستخدام الواعي لمناهج التحليل الطبقي والاجتماعي، في سياق معطيات اللحظة الراهنة، والتفاعل مع معطيات الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة، وكفاءته في إدارة الصراع الداخلي بمرونة وموضوعية، وإعماله لمبدأ النقد والنقد الذاتي والتقييم والتصحيح المستمرين للأخطاء والتعلم منها، لتأكيد السير على الطريق الصحيح.

  الدورة السنوية لـ"المجلس الوطني"

  ومن حُسن الطالع أن يأتي الاحتفال بمئوية الحزب الشيوعي الصيني، مواكبا لانعقاد الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني. والمجلس الوطني لنواب الشعب في جمهورية الصين الشعبية، بمقتضى المادة (57) من دستورها، هو "الهيئة العُليا لسلطة الدولة"، وهو يضطلع بممارسة "السلطة التشريعية للدولة"، ومدة أعماله خمس سنوات، ويمارس وظائف وسُلطات هامة منها: تعديل الدستور ومراقبة تنفيذ الدستور، وضع وتعديل القوانين الأساسية المُتعلقة بالجنايات والقضايا المدنية وبأجهزة الدولة، وانتخاب رئيس جمهورية الصين الشعبية ونائبه، والفحص والمصادقة على خطة الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية، وكذا على ميزانية الدولة، وتقرير قضية الحرب والسلم، وغير ذلك من مهام ومسؤوليات رفيعة، ويتكون من النواب المنتخبين من مختلف المُقاطعات والمناطق الذاتية الحكم، وتمثل كل أقلية قومية بعدد من النواب فيه.

  الصين ما بعد الجائحة!

  "الصين ما بعد الجائحة"، دولاب عمل هائل للإنتاج والبناء والإنجازات السياسية والأنشطة الفكرية والثقافية والاجتماعية، على كل المستويات المحلية والعالمية، تعمل ليلا ونهارا لاستكمال المسار، يُمثلها شعبٌ عاملٌ ومبتَكِرٌ، وحزبٌ مكافحٌ ووثيق الصلة بشعبه وقضاياه، وقيادة حكيمة يُجسدها الرئيس شي جين بينغ، الذي ألقى في الخامس والعشرين من يناير 2021، كلمة جامعة في الفعالية الافتراضية للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، بعنوان: "لنجعل شعلة تعددية الأطراف تضيء طريق البشرية إلى الأمام"، وفيها طرح برنامج عمل رصين وشامل، للصين، بل وللعالم ما بعد الجائحة، طالب فيها بالكف عن دق طبول الدعوة لإشعال حرب باردة جديدة، ودعا باسم الصين شعوب العالم أجمع، للتعاون من أجل تحقيق التعايش السلمي على أساس الاحترام والسعي للأرضية المشتركة، وبناء حضارة إنسانية تتسع لتنوع الثقافات والنظم الاجتماعية، والعمل من أجل تجسير الفجوة الواسعة بين جنوب العالم وشماله، وتعزيز الجهود لمواجهة تغير المناخ، وغيرها من الأمور ذات الصلة! وأنهى الرئيس شي كلمته بتوجيه نداء: "ليس لدى البشرية سوى أرض واحدة، ومستقبل مُشترك واحد، فيجب علينا التضامن والتعاون بروح الفريق الواحد، سواء لمواجهة الأزمات الحالية، أو لبناء مُستقبل مُشرق لنا جميعا". فهل تلقى هذه الدعوة النبيلة استجابة قبل فوات الأوان؟

  -

  أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام لـ "الحزب الاشتراكي المصري".

Appendix:

جميع الحقوق محفوظة لدي منتدي التعاون الصينى العربي

الاتصال بنا العنوان : رقم 2 الشارع الجنوبي , تشاو يانغ من , حي تشاو يانغ , مدينة بجين رقم البريد : 100701 رقم التليفون : 65964265-10-86