الدورتان السنويتان ومئوية الحزب الشيوعي الصيني

الصين اليوم 2021-03-08 11:15

  إبان مهمتي كمستشار إعلامي لسفارة مصر لدى الصين خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2013، كنت شاهدا على أحداث وفعاليات سياسية كبرى وهامة جرت وقائعها على أرض جمهورية الصين الشعبية. وأتذكر هنا تشرفي بتلبية دعوة كريمة تلقيتها عام 2012، من المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (أعلى هيئة تشريعية في الصين)، والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (الجهاز الاستشاري السياسي الأعلى في الصين)، لحضور "الدورتين السنويتين" بقاعة الشعب الكبرى في بكين، وهو تقليد دائم تحرص الحكومة الصينية على إتباعه سنويا، بدعوتها الدبلوماسيين والإعلاميين والصحفيين المقيمين في بكين لحضور وتغطية هذا الحدث السنوي الهام، حيث من المقرر أن تبدأ الدورة السنوية الرابعة للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في الرابع من مارس، وأن تبدأ الدورة الرابعة للمجلس الوطني لنواب السعب الصيني في الخامس من مارس.

  ورغم مرور ما يقرب من تسعة أعوام على حضوري هذا الحدث الهام، ومع اقتراب موعد انعقاد دورتي هذا العام، فقد جالت بخاطري مشاهد جميلة رأيتها خلال حضوري الجلسات آنذاك، ولاسيما التنظيم المتميز لهذا الحدث، وكيف تُدار المناقشات والمشاركة من كافة ممثلي الدولة والشعب الصيني. فما هو المقصود بالدورتين السنويتين؟ وما هي العوامل التي تجعلهما يحظيان بأهمية خاصة لدى العالم والشعب الصيني؟ وما هي الأجندة المتوقعة لدورتي هذا العام، وتزامن هذا الحدث مع حدث آخر هام وهو مئوية الحزب الشيوعي الحاكم في الصين؟

  أولا: المقصود بالدورتين السنويتين

  يُشير مصطلح الدورتين إلى التجمع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ويتم خلاله عرض ما أنجزته الحكومة الصينية خلال عام مضى، وتقديم رؤيتها وجدول أعمالها خلال عام قادم. ومن المعلوم أن مدة الدورة للمجلسين تبلغ خمس سنوات، ويمكن تجديدها- في حالات استثنائية- بموافقة أكثر من ثلثي أعضاء اللجنة الدائمة.

  وقد أنشأ النظام الاشتراكي الصيني أربعة أنظمة متطورة، وهي: نظام مجالس نواب الشعب؛ نظام التعاون المتعدد الأحزاب والتشاور السياسي؛ نظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي؛ ونظام الإدارة الذاتية للجماهير في الوحدات القاعدية. ويعتبر المجلس الوطني لنواب الشعب أعلى سلطة في الصين، حيث يُعد مسؤولا عن اتخاذ القرارات الكبرى، وقد ساهم ذلك في المحافظة على الاستقرار والأمن في الصين وتقدمها وازدهارها، فالاشتراكية ذات الخصائص الصينية والحزب الشيوعي الصيني هما القادران على تلبية جل احتياجات ومطالب نحو مليار وأربعمائة مليون نسمة.

  يُشكل المجلس الوطني لنواب الشعب لجانا خاصة تعتبر أجهزة العمل الدائمة له. وخلال انعقاد المجلس الوطني لنواب الشعب بكامل هيئته، تقوم تلك اللجان بدراسة وفحص ومناقشة ووضع مشروعات القوانين والقرارات المعنية. وخلال الفترة ما بين كل دورتين، تخضع اللجان الخاصة لقيادة اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب. هذه اللجان هي: لجنة القوميات، اللجنة التشريعية، لجنة الشؤون الداخلية والقضائية، لجنة المال والاقتصاد، لجنة التعليم والعلوم والثقافة والصحة العامة، لجنة الشؤون الخارجية، لجنة شؤون المغتربين الصينيين، لجنة حماية البيئة والموارد، ولجنة الزراعة والريف. وتنص المادة الرابعة والستين من دستور جمهورية الصين الشعبية، على أن يكون تعديل الدستور بناء على اقتراح من اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، أو اقتراح مقدم من أكثر من 20% من نواب المجلس، بينما يتم إقرار تعديلات الدستور بأغلبية تتجاوز ثلثي عدد النواب.

  ويتكون المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني من المجلس الوطني ولجنته الدائمة وتسع لجان خاصة (لجنة مشروعات القرارات، لجنة الاقتصاد، لجنة السكان والموارد والبيئة، لجنة التعليم والعلوم والثقافة والصحة والرياضة البدنية، لجنة الشؤون الاجتماعية والقانونية، لجنة القوميات والأديان، لجنة المعطيات الثقافية والتاريخية، لجنة الارتباط مع مواطني هونغ كونغ وماكاو وتايوان والمغتربين الصينيين، لجنة الشؤون الخارجية). وفي المناطق المحلية، أنشئت لجان محلية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. وتبلغ مدة عمل المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني خمس سنوات، وتعقد كل سنة دورة كاملة.

  ثانيا: أهمية دورتي هذا العام

  بصفة عامة، تحظى الدورتان السنويتان بأهمية استثنائية، إذ تنتظر كافة دول العالم بشغف في مارس من كل عام القرارات والرؤى التي يتم الكشف عنها خلال الدورتين، خاصة وأن مستقبل الصين وازدهارها يعود بالنفع ليس على مواطني الصين فحسب، وإنما أيضا على العديد من الدول الخارجية التي تربطها معاملات ومصالح مباشرة مع الصين (ويبدو ذلك واضحا بشكل جلي للدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق").

  وعلى المستوى الداخلي، تشهد الدورتان في كل عام تقديم عدد هائل من المقترحات، مما يؤكد على اهتمام نواب الشعب بجل الجوانب التي تمس الإنسان الصيني والحكومة الصينية، إذ تهتم المقترحات في أغلبها بالجوانب التي تهم حياة المواطن الصيني بشكل مباشر، وعلى رأسها توفير حياة رغيدة للصينيين.

  وتحظى الدورتان هذا العام 2021 بأهمية خاصة، لكونه يمثل بداية تنفيذ الخطة الخمسية الجديدة للصين، وتزامنه مع الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، إضافة إلى عودة انتظام انعقادهما في الموعد المعتاد وهو شهر مارس من كل عام، بعد تأجيله العام الماضي إلى شهر مايو بسبب تداعيات تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد- 19). ناهيك عن الموضوعات المدرجة على أجندتهما، حيث تتضمن الأجندة المقترحة للدورة السنوية، مراجعة تقرير عمل الحكومة، وفحص مسودة الخطة الخمسية الـرابعة عشرة (2021- 2025) للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والأهداف طويلة الأجل حتى عام 2035.

  ثالثا: أجندة "الدورتان السنويتان" 2021

  تزخر أجندة هذا العام بمناقشة العديد من الموضوعات الهامة، ولعل من أبرزها:

  1- دراسة التقرير الخاص بتطبيق الخطة السنوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية لعام 2020، ومشروع الخطة الخمسية حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية لعام 2021،

  2- دراسة التقرير المتعلق بتطبيق الميزانية المركزية والميزانيات المحلية لعام 2020، ومشروع الميزانية المركزية والميزانيات المحلية لعام 2021؛

  3- مراجعة مشروع تعديلات القانون الأساسي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والقواعد الإجرائية للمجلس، وكذلك تقارير عمل اللجنة الدائمة للمجلس ومحكمة الشعب العليا ونيابة الشعب العليا.

  رابعا: مئوية الحزب الشيوعي الصيني

  بجانب انعقاد "الدورتين السنويتين" في مارس 2021، يشهد هذا العام أيضا، وتحديدا في يوليو المقبل، حدثا آخرا لا يقل أهمية للشعب الصيني وللعالم أيضا، وهو الاحتفال بمئوية الحزب الشيوعي الصيني (1921-2021). والذي يُعد أعلى هرم للسلطة في الصين ويضم في عضويته حوالي مائة مليون عضو، كما يُعد العمود الفقري للكيان السياسي في الصين. فمنذ تأسيسه لأول مرة في يوليو عام 1921، ظل الحزب الشيوعي الصيني يواجه الإقطاع والرأسمالية والإمبريالية. وفي عام 1949 تولى الحزب السلطة، فاقتنع به الصينييون، وحدد الدستور بوضوح مكانته في الحياة الصينية. ونجح الحزب الشيوعي الصيني في تحقيق إنجازات هائلة، يأتي على قمتها تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وتكريس النظام الاشتراكي الصيني، والإصلاح والانفتاح والتحديث .

  خامسا: الحزب الشيوعي الصيني والعلاقات الخارجية

  على الصعيد الخارجي، تبنت قيادات الحزب الشيوعي الصيني أفكارا وخطوات هامة على أساس استمرار واستقرار السياسة الخارجية، ولعل أهمها: إقامة علاقات دولية مع كافة دول العالم، إنشاء شبكة شراكة عالمية والعمل على توثيق العلاقات مع الدول الكبرى، التعاون والتناغم مع دول الجوار، وبناء حزام اقتصادي متمثل في طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري، وتكريس الرؤية الصحيحة تجاه المصالح والأخلاق.

  خلاصة هذه الأفكار، أن جمهورية الصين الشعبية تريد وتتبع أسلوبا تنمويا سلميا، فالحلم الصيني مرتبط بالمصالح المشتركة بين شعوب العالم. وكان ذلك واضحا خلال أزمة وباء كوفيد- 19، حيث تعاونت الصين مع كافة دول العالم وكذا المنظمات الدولية، وسعت جاهدة للقضاء على الوباء وتقديم يد العون للعديد من الدول، كما قامت بإلغاء كثير من الديون عن كاهل الدول النامية والفقيرة، كما تقوم بتقديم اللقاح الصيني بصور عدة منها ما هو مجاني ومنها ما يقدم بأسعار في متناول الدول النامية. ولا يمكننا أن ننسى كيف ساهمت الصين في تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008.

  ونحن في هذا العام ننتظر ما ستقدمه الدورتان لصالح دول العالم، خاصة في ظل وباء كوفيد- 19 والأزمات الاقتصادية والصحية، وماذا ستقدم الصين في إطار الحزام والطريق الصحي. و رغم استمرار ما تواجهه الصين- ومعها دول العالم أجمع- من تحديات في ظل الوباء، فإن تجارب الصين السابقة في التعاطي مع التحديات المختلفة التي تواجهها، تؤكد أن الصين تفي دائما بوعودها ليس فقط لشعبها ومواطنيها، وإنما أيضا لشعوب العالم كافة، وبصفة خاصة شعوب الدول النامية.

  --

  أحمد سلّام، المستشار الاعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين.

Appendix:

جميع الحقوق محفوظة لدي منتدي التعاون الصينى العربي

الاتصال بنا العنوان : رقم 2 الشارع الجنوبي , تشاو يانغ من , حي تشاو يانغ , مدينة بجين رقم البريد : 100701 رقم التليفون : 65964265-10-86