المصلحة الأنانية لا تدوم، والتضامن والتعاون يمثلان طريقا صحيحا

 2022-06-13 09:21

قد يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارة الشرق الأوسط، وهو قال مؤخرا في مقابلة صحفية إنه إذا تمت هذه الزيارة، "فستأتي بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط". لكن كشفت المتحدثة باسم البيت الأبيض حقيقة الأمر في مقابلتها مع إحدى وسائل الإعلام لدولة خليجية بالقول:  "إن الأولوية الأولى لاهتمامات الرئيس في التواصل مع قادة الدول الأخرى هي المصلحة الأمريكية".

تعتبر "المصلحة الأمريكية" إحدى القيم الصحيحة المطلقة في نظر الساسة الأمريكيين، وهي كلام عادي على لسانهم مثل "صباح الخير" و "ليلة سعيدة". لكن تكريس "المصلحة الأمريكية" والسعي ورائها قد تسبّبا في آلام وجروح يصعب شفاؤها على دول ومناطق كثيرة في العالم. ومن بين دول العالم، فإن الشرق الأوسط هو بلا شك أكبر ضحية لـ"فكرة المصلحة الأمريكية أولا".

تتجسد "فكرة المصلحة الأمريكية أولا" في نزعة التدخل السافر. في السنوات الـ30 الماضية، شنت الولايات المتحدة حروبا عديدة في الشرق الأوسط بما فيها حرب العراق ، وقامت بالتدخل العسكري في سورية وليبيا وغيرهما من الدول تحت شعار إصلاح دول الشرق الأوسط وتعميم الديمقراطية بالنمط الأمريكي. لكن ما فعلته الولايات المتحدة لم يجلب السلام والتنمية والازدهار في الشرق الأوسط، وكانت الولايات المتحدة منافقة في "إسقاط النظام القديم"، وسعت إلى "إنشاء نظام جديد" حسب إرادتها وهواتها، تجاهلا للظروف الواقعية لدول الشرق الأوسط والقوانين الداخلية لمجتمعات الشرق الأوسط وإرادة شعوب الشرق الأوسط ومطالبها.

إن الفوضى والاضطرابات الناجمة عن التدخل الأمريكي القوي قد أرهقت شعوب الشرق الأوسط لفترة طويلة، وأصبحت عقبات خطيرة أمام تحقيق الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط.  وما ترتّب على ذلك من التطرف والإرهاب يشبه بكابوس طويل يؤرق الشرق الأوسط وبقية العالم. الذكريات المؤلمة التي خلفها التدخل الأمريكي على شعوب الشرق الأوسط جعلتهم مؤمنين بضرورة التحكم بحزم في مستقبلهم ومصيرهم بأنفسهم.

تتجسد "فكرة المصلحة الأمريكية أولا" في النفعية المتمثلة في التعامل مع ما يعجبها وترك ما لا يعجبها. قامت الولايات المتحدة بتعديل سياساتها تجاه الشرق الأوسط باستمرار انطلاقا من مصلحتها الأنانية طوال العقود الماضية، فهي إما شنت حروبا بنفسها، إما ترقّبت من بعد وسعت إلى إيجاد التوازن من وراء البحار وحرّضت دول المنطقة على التصارع فيما بينها. يكون هدف الولايات المتحدة إبقاء الشرق الأوسط في الفوضى المستمر ، وعجزه عن تحقيق التضامن، حتى تستفيد الولايات المتحدة منها وتحافظ على هيمنتها.

فيما يخص ملف إيران النووي، قد انسحبت الإدارة الأمريكية السابقة من جانب واحد من الاتفاق الشامل لملف إيران النووي وفرضت "الضغوط القصوى" على إيران، والآن تريد الإدارة الحالية استئناف المفاوضات مع جميع الأطراف المتعلقة بملف إيران النووي. وفي هذه عملية الكرّ والفرّ، لم تخفف الولايات المتحدة قطا عقوباتها الأحادية الجانب وغير الشرعية على إيران، بل وتواصل تشديدها، وتفرض "اختصاص طويل الذراع" على طرف ثالث.

تدعي الولايات المتحدة بمدى أهمية الشرق الأوسط من حيث الطاقة والأمن، والمسؤولون المختلفون وصلوا وغادروا الشرق الأوسط مثل "الفانوس الدوار".  في الوقت نفسه، تمارس الولايات المتحدة "دبلوماسية القيم"، وتقلل أهمية دول الشرق الأوسط تحت شعار "الديموقراطية" و"حقوق الإنسان". كما أن الولايات المتحدة غير مرتاحة لرؤية التعاون بين دول الشرق الأوسط والدول الأخرى، وطالما أنها تعتقد أن ذلك لا يتوافق مع "المصلحة الأمريكية"، ستعرقله وتخربه بشكل تعسفي. لقد أصبحت دول الشرق الأوسط على دراية تامة بالوجه الحقيقي للولايات المتحدة ومللت بنفاق الولايات المتحدة.

تتجسد "فكرة المصلحة الأمريكية أولا" في الهيمنة والاستعلاء الذاتي. لسنوات طويلة، ينغمس الساسة الأمريكيون في عقلية "الدولة المختارة" وحلم "المدينة فوق تل"، ويتشبثون بنظرية "القوة هو الحق" القديمة، ولا يزالون فهمهم للشرق الأوسط باقيا في العصر القديم الذي يسوده "قانون الغابات" والعقلية القديمة القائمة على "صراع الحضارات". قام هؤلاء الناس بإثارة ضجة حول "الإسلاموفوبيا" وربط الإرهاب بدين أو عرق بعينه، وتصنيف الدول حسب مدى الصداقة معهم ثم قمع وفرض العقوبات على من يعارضهم، واحتكار سلطة الحوكمة العالمية وحرمان البلدان النامية بما فيها دول الشرق الأوسط من حق التنمية، واستغلال العولمة الاقتصادية لنهب ثروات الشرق الأوسط وموارده، الأمر الذي أفشل عدد كبير من دول الشرق الأوسط في مواكبة العولمة الاقتصادية، وحتى اليوم، لا تزال تكافح بجهود شاقة من أمل استكشاف طريق التنمية الذي يتناسب مع ظروفها الوطنية.

مضت السنوات العديدة، ولم يعد الشرق الأوسط كما كان عليه من قبل، لكن ما زالت الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط بعين الهيمنة : أي أنه لا بد أن تبقى الولايات المتحدة صاحب الكلام في الشرق الأوسط، ولا يمكن للشرق الأوسط إلا أن يعمل وفقا لـ"القوانين واللوائح" التي وضعتها الولايات المتحدة. هل هذا معقول؟ إن الشرق الأوسط هو الشرق الأوسط لشعوبه، وليس قطعة على رقعة الشطرنج الأمريكية، ولا يجوز أن يظل ضحية للهيمنة الأمريكية.

في الوقت الراهن، تطرأ تطورات متسارعة على التغيرات التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة. لم تعد الولايات المتحدة كما كانت عليه من قبل، ولم يعد الشرق الأوسط كما كان عليه من قبل أيضا. قد أصبح السلام والتنمية والتعاون من التطلعات المشتركة لدول الشرق الأوسط. تدافع دول الشرق الأوسط بثبات عن مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وغيره من القواعد الأساسية للقانون الدولي، وتعارض قمع البلدان النامية، خاصة التدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية تحت شعار "الديمقراطية الغربية" و"حقوق الإنسان". أصبحت لدى دول الشرق الأوسط مبادرة وحماسة متزايدة في تعزيز السلام عبر التضامن. ويتأخذ عدد متزايد من دول الشرق الأوسط الالتزام بحسن الجوار كمقدمة سياساتها الخارجية، وهي ترفض الاصطفاف مع طرف ضد طرف آخر، وتدعو إلى تعزيز التضامن، وترفض إثارة المواجهة بين المعسكرات. يشهد الشرق الأوسط مشهدا جديدا من الاستقلال والتضامن والتعاون بشكل تدريجي .

إن الصين كصديق حميم وشريك عزيز يشترك مع الدول الشرق الأوسط في مستقبل مشترك، ظلت تسعى بنشاط إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك مع دول الشرق الأوسط على أساس الاحترام المتبادل، وتسعى أن تصبح قوة قوية للحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. خلال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة التنمية العالمية من منظور بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، داعيا المجتمع الدولي إلى التركيز على التنمية وبلورة القوة الحاشدة لمواجهة التحديات. وفي إبريل الماضي، طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة الأمن العالمي في المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي، داعيا إلى مواصلة الدفع بإنشاء هيكل أمني متوازن وفعال ومستدام على أساس الالتزام بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، مما حدد اتجاها جديدا في القضاء على الأسباب الجذرية للصراعات الدولية وتحقيق الأمن والأمان الدائمين في العالم.  تتكامل هاتان المبادرتان بعضهما مع البعض وتساهمان بالحكمة الصينية في استقرار النظام الدولي وتحسين الحوكمة العالمية وتعزيز التنمية بشكل متوازن وحماية رفاهية البشرية. كما أن هاتين المبادرتين تعكسان التطلعات التاريخية لدول الشرق الأوسط إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية والازدهار، ووفرتا منفعة عامة جديدة لتضامن دول الشرق الأوسط وتحقيق نهضتها وإيجاد طريق التقوية الذاتية للشرق الأوسط في العصر الجديد، لذا تلقت المبادرتان إقبالا ودعما واسعا من قبل دول الشرق الأوسط. أكدت دول المنطقة أن المبادرتين تتماشيان مع احتياجات الدول في مواجهة التحديات في العصر ما بعد الجائحة، وتأمل في إجراء مناقشة معمقة مع الصين بشأن المجالات ذات الأولوية والسبل المتاحة لترجمة المبادرتين على أرض الواقع في الشرق الأوسط.

إن الصين والشرق الأوسط باعتبارهما أقدم مهدين للحضارات البشرية، كانت لهما تبادلات ودية منذ آلاف السنين، ويتقاسم الجانبان السراء والضراء منذ مئات السنين، ويتعاونان منذ عقود. في ظل الوضع الجديد، يواجه كل من الصين والشرق الأوسط فرصا ثمينة للتنمية والنهضة، ويواجه كل منهما مخاطر وتحديات متعددة ومعقدة. ستتقدم الصين والشرق الأوسط نحو الأمام بشجاعة وتتغلبان على الصعوبات سويا في الطريق السريع والواسع للأمن والتنمية والتضامن والتعاون، وتعملان سويا على خلق مستقبل مشرق للشعب الصيني وشعوب الشرق الأوسط وبقية شعوب العالم.

Appendix:

جميع الحقوق محفوظة لدي منتدي التعاون الصينى العربي

الاتصال بنا العنوان : رقم 2 الشارع الجنوبي , تشاو يانغ من , حي تشاو يانغ , مدينة بجين رقم البريد : 100701 رقم التليفون : 65964265-10-86